سورة عبس - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (عبس)


        


{عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3)}
{عَبَسَ وتولى} أي عبس في وجه الأعمى وأعرض عنه، وقال ابن عطية: في مخاطبته بلفظ الغائب مبالغة في العتب؛ لأن في ذلك بعض الإعراض، وقال الزمخشري: في الإخبار بالغيبة زيادة في الإنكار، وقال غيرهما، هو إكرام للنبي صلى الله عليه وسلم وتنزيه له عن المخاطبة بالعتاب، وهذا أحسن {أَن جَآءَهُ الأعمى} في موضع مفعول من أجله، وهو منصوب بتولى أو عبس. وذكر ابن أم مكتوم بلفظ الأعمى ليدل أن عماه هو الذي أوجب احتقاره، وفي هذا دليل على أن ذكر هذه العاهات جائز إذا كان لمنفعة، أو يشهد صاحبها، ومنه قول المحدثين سليمان الأعمش، وعبد الرحمن الأعرج وغير ذلك {وَمَا يُدْرِيكَ} أيّ شيء يطلعك على حال هذا الأعمى {لَعَلَّهُ يزكى} أي يتطهر وينتفع في دينه بما يسمع منك.


{أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)}
{أَمَّا مَنِ استغنى * فَأَنتَ لَهُ تصدى} أي تتعرّض للغني رجاء أن يسلم {وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يزكى} أي لا حرج عليك أن لا يتزكى هذا الغني {وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يسعى} إشارة إلى عبد الله بن أم مكتوم، ومعنى يسعى يسرع في مشيته من حرصه على طلب الخير {وَهُوَ يخشى} الله أو يخاف الكفار وإذايتهم له على اتباعك، وقيل: جاء وليس معه من يقوده، فكان يخشى أن يقع، وهذا ضعيف {فَأَنتَ عَنْهُ تلهى} أي تشتغل عنه بغيره من قولك: لهيت عن الشيء إذا تركته، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تأدّب بما أدبه الله في هذه السورة فلم يُعرض بعدها عن فقير ولا تعرّض لغني، وكذلك اتبعه فضلاء العلماء، فكان الفقراء في مجلس سفيان الثوري كالأمراء، وكان الأغنياء يتمنون أن يكونوا فقراء.


{كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (11) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (12) فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (13) مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (14) بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16)}
{كَلاَّ} ردع عن معاودة ما وقع العتاب فيه {إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} فيه وجهان، أحدهما: أن هذا الكلام المتقدّم تذكرة أو موعظة للنبي صلى الله عليه وسلم، والآخر أن القرآن تذكرة لجميع الناس، فلا ينبغي أن يُوثر فيه أحد على أحد، وهذا أرجح لأنه يناسبه: {فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ}، وما بعده، وأنّث الضمير في قوله: {إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} على معنى القصة أو الموعظة أو السورة أو القراءة، وذكَّرها في قوله: {فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ} على معنى الوعظ أو الذكرى والقرآن {فَي صُحُفٍ} صفة لتذكرة أي ثابتة في صحف، وهي الصحف المنسوخة من اللوح المحفوظ وقيل: هي مصاحف المسلمين {مَّرْفُوعَةٍ} إن كانت الصحف المصاحف فمعناه مرفوعة المقدار، وإن كان صحف الملائكة فمعناه كذلك، أو مرفوعة في السماء ومطهرة أي منزهة عن أيدي الشياطين {بِأَيْدِي سَفَرَةٍ} هي الملائكة، والسفرة جمع سافر وهو الكاتب؛ لأنهم يكتبون القرآن، وقيل: لأنهم سفراء بين الله وبين عبيده، وقيل: يعني القرَّاء من الناس. والأول أرجح. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة» أي أنه يعمل مثل عملهم في كتابة القرآن وتلاوته، أو له من الأجر على القرآن مثل أجورهم.

1 | 2